أيقن المصريون منذ بداية ظهور الدولة المصرية "بالتعريف السياسى للدولة" أن حماية كيانها يتطلب وجود قوات مسلحة قوية بعتادها وتدريب أفرادها وقبل ذلك حنكة تنظيمها وهو أمر حتمى لبقاء هذه الدولة، وقد يكون ذلك هو أول وأهم عناصر تنظيم الدولة وبالتالى كانت جيوش الدولة المصرية نبراساً للدول المجاورة على مر العصور. وقد أثبتت التجارب على مر العصور أن دقة التنظيم وتوفير العتاد المناسب (ذاتياً) بل واختراعه فى أحيان كثيرة وكذلك الاهتمام الكبير بتجهيز وتدريب الأفراد (من القادة والضباط والدرجات الأخرى) وهو ما يعتبر فلسفة العصر الحالى للقوات المسلحة بوضع الاهتمام بالفرد وتنميته فى أولويات القيادة العامة والتى تركز عليها فى مختلف المناسبات.
وعلى مر التاريخ المصرى يحظى التعليم الهندسى بقسط كبير من الاهتمام جنباً إلى جنب مع التعليم والتدريب العسكرى خاصةً فى العصر الحديث، وكان اللافت للنظر أنه رغم عدم تعقيد العتاد الحربى خلال فترة محمد على إلا أن الاهتمام بالتعليم الهندسى كان ملحوظاً وأساسياً فى تجهيز ضباط القوات المسلحة بأصول العلوم وتقنيات الهندسة وبعمق شديد. ولقد تبلور هذا الاهتمام مع بداية النصف الثانى من القرن العشرين بعد الحرب العالمية الثانية وتطور المعدات التى يتعامل معها الجيش المصرى تطوراً هائلاً مما تطلب وجود عدد كبير من المهندسين المتخصصين فى الفروع المختلفة للقيام بالأعمال الفنية والنهوض بأسلحة الجيش وتطويرها بما يساير التطور الحديث. وسعت القوات المسلحة فى هذه الفترة على إختيار اللائقين عسكرياً من خريجى كليات الهندسة للقيام بهذه المهمة كما سعت على إيفاد بعض الضباط خريجى الكلية الحربية فى بعثات داخلية أو خارجية أو تنظيم دراسات خاصة لهم لتثقيفهم وتأهيلهم للقيام بالأعمال الفنية واستعانت فى ذلك بالخبراء والمتخصصين. كما دعت الضرورة إلى استخدام المعامل والورش فى الكليات الجامعية وغيرها فى التدريبات والدراسات العملية.
ونظراً لما للدراسات العسكرية من طابع خاص يميزها عن الدراسات الجامعية وتوخياً للخصوصية التى تقتضيها الظروف العسكرية سواءً فى التعليم أو التدريب أو البحث، ورغبة فى إعداد فئة من الضباط المهندسين المؤهلين تأهيلاً علمياً وعملياً مميزاً للنهوض بأسلحة القوات المسلحة المختلفة ( أجهزة وأنظمة ومعدات ) فقد تم التفكير فى إنشاء الكلية الفنية العسكرية لتحقيق هذه الغايات ولتؤدى رسالتها لخدمة الأهداف القومية فى الإتجاهين العسكرى والمدنى.
وقد تبلور هذا التفكير اعتباراً من عام ١٩٥٤م وبدأت خطوات الإعداد للتنفيذ عام ١٩٥٧م بعدما وضح جلياً ضرورة ذلك خاصة مع تنويع مصادر تسليح الجيش المصرى واستيراد الأسلحة والمعدات الشرقية من الاتحاد السوفيتى وتشيكوسلوفاكيا، وبدأ التنفيذ الفعلى عام ١٩٥٨م.
أنشئت الكلية الفنية العسكرية عام ١٩٥٨ بعد أن ظلت مصر بدون مدارس التعليم العسكرى الهندسي بشكلها المعاصر ما يزيد عن ثلاثة قرون حيث تميزت الحركة العالمية خلالها بالإيقاع السريع لتفعيل العلم فى الحياة عموماً وفى صناعات التسليح على وجه الخصوص.
برزت فكرة إنشاء كلية هندسة عسكرية مع صفقة السلاح التشيكية عام ١٩٥٤ التى أبرمتها الثورة بعد أن فشلت فى الحصول على سلاح من الغرب لإعادة بناء الجيش على نظم حديثة، ومن ثم ظهرت الحاجة إلى إنشاء الكلية الفنية العسكرية لتخريج كوادر هندسية قادرة على التعامل مع معدات التسليح الحديثة والقيام بمهام التأمين الفنى لها. وتم إنشاؤها فعلياً عام ١٩٥٨ بالتعاون مع أكاديمية برنو العسكرية التشيكية لتخريج الضباط المهندسين للعمل بالقوات المسلحة المصرية.
فى السابع والعشرين من أكتوبر١٩٥٧ صدر الأمر العسكرى الخصوصى رقم ٣٤٤ ، والذى نص على:
"بناءً على توجيهات القيادة المصرية والدراسات التى قامت بها أجهزة القوات المسلحة بإنشاء كلية عسكرية للعلوم تقوم بتخريج ما يحتاجه الجيش من الضباط المتخصصين وبذلك يستغنى الجيش عن الخبرة الأجنبية ويستقل بأبحاثه ودراساته وأعماله الفنية ويتحقق الهدف الذى يرمى إليه من إيجاد الجيل المرغوب فيه ".
وقد بدأ العمل الفعلى بالكلية عام ١٩٥٨ - بعد صدور أمر عسكرى خصوصى بتاريخ ١٧ نوفمبر ١٩٥٨ بشأن مراحل الدراسة بالكلية وشروط الالتحاق وذلك بقبول نخبة من ضباط القوات المسلحة للدراسة بها على عدة مراحل تمهيدية.