نبذة تاريخية عن نشأة وتطور الكلية البحرية

المدارس البحرية قبل إنشاء الكلية البحرية :

لقد مرت على مصر، فترة عصيبة إذ جثم الإحتلال الإنجليزى على قلبها ، وخشى الإنجليز سطوة مصر البحرية ، التى كانت تقف سداً منيعاً فى وجوههم، وتحول دون سيطرتهم على مياه البحر المتوسط والبحر الأحمر ، فوجهوا كل إهتماماتهم لإضعاف البحرية المصرية، فاستغـنت عـــن الضباط البحريين الذين إشتركوا فى القتال ضدها فى المعارك التاريخية المشهورة وباعت السفن والناقلات ودور الصناعة البحرية ثم ألغيت البحرية وظل الحال يسوء حتى سنه 1892م، حيث أنشئت مدرسة بحرية باليخت (المحروسة) ، وكان الغرض منها إمداد اليخوت الخديوية بالضباط .

إعاده تنظيم البحرية :

وما أن إنتهت الحرب العالمية الثانية حتى أعيد تنظيم البحرية عام 1946م ، وأصبحت منفصلة عن خفر السواحل إذ صدر المرسوم الملكي يوم 23 ديسمبر 1946م بتنظيم السلاح البحرى الملكى، ليكون قائماً بذاته وأن يكون على أحدث النظم .

نشأة الكلية البحرية :

وكان أول إهتمام بالسلاح البحرى المصرى هو إنشاء الكلية البحرية لتخريج ضباط مؤهلين ومدربين تدريباً عالياً ليكونوا دعامة للأسطول البحرى المزمع تكوينه، فصدرت فى 30 ديسمبر 1946م أوامر البحرية بأمر صاحب السعادة أمير البحار "شرف" محمود حمزة باشا قائد عام السلاح البحرى الملكى بتعيين حضرة البكباشى محمد يحى شكرى أفندى قائدا للكلية البحرية الملكية ، وخصصت للكلية البحرية المبانى الواقعة بين سراى رأس التين وفنار رأس التين بعد جلاء البحرية البريطانية .

الدفعة الأولى:

وتم قبول الدفعة الأولى من الطلبة وعدد 50 طالبا ألحقوا على الكلية الحربية منذ 1946 م لتلقى التدريب العسكرى الأولى لمدة ستة شهور وتغيرت مناهج الدراسة تغيراً شاملاً عما كانت عليه بمدرسة خفر السواحل البحرية . تمشيا مع تطور وحدات الأسطول البحرى المقاتل ، وأصبحت مدة الدراسة بالكلية عامين دراسيين مقسمين إلى ست فترات كل منها ثلاث شهور.

نظام الدراسة فى أول عهد الكلية:

فى 6 نوفمبر 1946م صدر القرار الوزارى رقم "461" بتشكيل أول مجلس إدارة للكلية كما حددت إختصاصات الأعضاء ، ثم عدل بالقرار رقم "358" بتاريخ 27 يوليو 1950م ليكون قائد عام البحرية رئيسا للمجلس بدلاً من وكيل وزاره الحربية والبحرية ، كما زادت مده الدراسة إلى ثلاث سنوات مقسمة على ثلاث مراحل إعدادى ومتوسط ونهائى ويقضى الطالب بالكلية سنتين والسنة الثالثة على ظهر سفينة التدريب العملى وخصصت السفينة "دمياط" كسفينة تدريب الطلبه إعتبارا من صيف 1950م.

كما تطورت الدراسة فى نفس العام فبعد أن كانت تقتصر على الملاحة والفنون البحرية بصفة أساسية الى جانب المواد العسكرية وبعض المواد العلمية والثقافية الاضافية ، أدخلت المواد الهندسية ومواد التسليح والإشارة إعتبارا من عام 1950م .

وكانت الدفعة الثالثة من طلبة الكلية هى أول دفعة تستمر فى الدراسة لمده ثلاث سنوات، كما كانت أول دفعة تبحر على ظهر السفينة "دمياط" للتدريب العملى .

تطور التعليم البحرى بالكلية بعد ثورة 23 يوليو 1952 :

مع مطلع الثورة ، بدأ عصر جديد بالنسبة للكلية وكان أول مظاهره إنتقال الكلية البحرية من مبناها الصغير إلى مبنى كبير أكثر اتساعاً وأكثر ملاءمة لطبيعة عملها ، وعززت الكلية بعدد ملائم من الضباط، كما عززت تجهيزاتها وكافة معداتها، وبدأت برامج التدريب بها مباشرة .

صدور اللائحة الأساسية والداخلية للكلية :

ثم صدرت اللائحتان الاساسية والداخلية بالقانون رقم 304 لسنه 1952م, وبهذا صدر لأول مرة قانون خاص بالكلية البحرية، يوضح تنظيم الكلية وإدارتها ونظم الدراسة وقواعد العمل بها . ووضع شعاراً لها هو (العلم – العزيمة – العمل) وبدأت حركة نشطة دؤوبة فى الإنطلاق بالكلية ، وشمل الإهتمام كافة نواحى النشاط . ففى المجال الرياضى تكونت الفرق الرياضية حيث إستطاعت الكلية عام 1954م الفوز بكأس القائد العام للقوات المسلحة (فى أول سنة لإنشائه ). وفى النشاط الثقافى صدرت أول مجلة سنوية للكلية عام 1954م كما أصدرت الكلية صحيفة شهرية هى ( صحيفة الكلية البحرية ) . وبدأ تنظيم المحاضرات العلمية والثقافية والرحلات التعليمية وفى عام 1953م تغير نظام التدريب العملى لطلبة السنة الثالثة فكانت الدفعة الخامسة هى الدفعة الأخيرة التى أمضت السنه الثالثة بأكملها على سفينة التدريب، وأقتصر التدريب العملى على السفريات التدريبية فقط .

إلتحاق الدفعة الأولى من الطلبة العرب بالكلية:

لقد أولت الثورة الكلية البحرية كل العناية ، وإتجهت إليها أنظار الدول العربية الشقيقة وأصبحت مكاناً للزيارات ، وإلتحق بها دفعة من الطلبة العرب عام 1953م وكانوا من سوريا الشقيقة التى أوقفت إيفاد طلابها الى فرنسا ، وكانت تلك الدفعة مكونة من عشرة طلاب وقد خلد التاريخ أول الدفعة الشهيد/ جول جمال الذى أصر على مشاركة زملائه من الضباط المصريين فى العمليات البحرية عام 1956م ونال شرف الشهادة فى (معركة البرلس البحرية) وسجل إسمه بالنور والدم فى صفحات الفخار والمجد .

تخريج البعثات العربية من جميع الدول العربية :

توالت البعثات العربية على الكلية البحرية حتى جمعت فى رحابها على مر السنين طلبة من سوريا والسعودية وليبيا والمغرب والكويت والجزائر والعراق ودولة الامارات والبحرين وعمان والصومال والسودان واليمن ، وأصبحت الكلية البحرية المعهد البحرى القائم بإعداد الضباط البحريين لجميع أرجاء الوطن العربى .

تخريج البعثات الأفريقية :

لم يقتصر خريجو الكلية البحرية على الدول العربية فقط وإنما شمل أبناء بعض الدول الإفريقية الصديقة مثل زائير ونيجيريا وغينيا وكينيا وتنزانيا ممن يشغلون اليوم وظائف قيادية فى بلادهم .

إنتقال الكلية البحرية إلى مقرها الجديد عام 1966م :

بعد التوسع فى الدور الذى تقوم به الكلية البحرية من تخريج ضباط الأسطول الحربى والأسطول التجارى، كان لابد لها من مبنى يليق بما تقدمه من تعليم وتدريب , فانتقلت إلى مبناها الجديد عام 1966م الذى يقع على خليج أبوقير ، وذلك بعد تسعة عشر عاماً من العمل بالمقر القديم برأس التين ، وقد روعى فى مبنى الكلية الجديد أن يكون على أحدث النظم المتقدمة وأن يشتمل على الأقسام التعليمية فى مبان متسعة، مزودة بالمعامل المختلفة والمدرجات وقاعات الدراسة، ومساعدات التعليم والنماذج العلمية الحديثة ، فضلا عن بعض الأسلحة والمعدات المماثلة لتلك المستخدمة بسفن الأسطول كما توفرت للطلبة وسائل الإعاشة من العنابر والميسات والمطابخ ووسائل الترفيه المختلفة, وزودت الكلية بالملاعب الرياضية المتكاملة فى مختلف أنواع الألعاب

تخريج عشر دفعات بنظام التخصص :

وأستمر تطوير التعليم بالكلية، وأصبحت مده الدراسة أربع سنوات، وطبق نظام التخصص لتخريج ضباط متخصصين فى جميع المجالات، وقد تخرجت الدفعة الأولى منهم عام 1969م فى تخصصات ( الملاحة- الصواريخ –المدفعية –الإشارة البحرية –المدفعية الساحلية –أسلحة تحت الماء ) وتخرجت عشر دفعات بهذا النظام وأخرها الدفعة 30 وفى عام 1975م عدل نظام الدراسة ليتخصص الطالب بعد التخرج من الكلية . وقد شهدت الكلية إعتباراً من عام 1988م دفعة قوية فى إتجاه التطوير والتحديث، وذلك بالتعاون مع الأكاديمية البحرية الأمريكية وشمل هذا التطور تطبيق أحدث النظم التعليمية وتوفير المحاكيات والنماذج العلمية والمعامل المتخصصة المتقدمة ومساعدات التعليم والقاعات النموذجية للدراسة ، ومعامل الحاسب الاَلى مع تزويد مكتبة الكلية بالمراجع العلمية البحرية الحديثة وإستخدام مشاريع تخرج الطلبة وقيام الطلبة بعمل ماكيتات ونماذج السفن والغواصات والمعدات والأسلحة المستخدمة بالقوات البحرية تطبيقاً لما درسوه بالمناهج النظرية . كما أن التطور قد إمتد ليشمل الملاعب الرياضية الحديثة مثل ملاعب الإسكواش والتنس والكرة الطائرة والسلة ، وإنشاء حمام حديث للسباحة مزود بالماء الساخن شتاءاً، مما طور ممارسة الرياضة المائية من سباحة وقفز وغطس ،كما حظيت رياضة الشراع بالإهتمام الفائق، وزودت الكلية بطرازات مختلفة من زوراق شراعية رياضية ، وتم الحصول على العديد من المراكز المتقدمة فى السباقات الدولية والمحلية .